الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

سيد الشهداء.............

أطلقتنا من أسرنا كربلاءُ *** وأنارت لنا الدروب الدماءُ
فانطلقنا تزفنا للمعالي *** وتسوي ركابنا الأشلاءُ
نستحث الخطاء ونستسهل الصعـ*** ـب ونمضي تزهو بنا الأرجاءُ
في مسير يطوي الغياهب طياً *** نحو صبح شعاعه وضاءُ
نقتدي بالحسين جيلا فجيلا *** وشهيدا في إثره شهداءُ
نعشق الموت حين تقلى المنايا *** ويثير الفداء منا الفداءُ
كلما عانق الحمام زعيماً *** هام بالموت بعده الزعماءُ
ومضوا ينسفون للبغي عرشا *** شاده الذل وارتضاه الرياءُ
ويدكون للجهالة صرحا *** أسَّـه الزيف والخواء والهراءُ
يبذلون النفوس كيما يصونوا *** أمة داس عرضها الأشقياءُ
واحسيناه!صرخة من فؤادٍ *** زلزلته النوائب الدهماءُ
واحسيناه ! صرخة تتوالى *** والمآقي أدمع ودماءُ
والأماسي كئيبة والمآسي *** جمة والخطوب والأرزاءُ
واحسيناه طالما قد بكينا *** قيل : في الدمع للكروب جلاءُ
غير أنا والذكريات أرتنا *** أن ما قيل باطل وافتراءُ
أنت إن أجدت الدموع الحزانى *** غير مجد- إذا ذكرت- البكاءُ
قد نزفنا من المآقي بحارا *** فطفت فوق موجها البرحاءُ
وأبى الحزن أن يذوب وذابت *** في لظى الحزن أكبد حراءُ
ما سلونا. وكيف يسلا فقيد *** هو سلوى الحزين وهو العزاءُ
يا أبا الشهداء هذا فؤادي *** يوم ذكراك بين جنبي هواءُ
وخيالي مشوشٌ وبياني *** أنضب الخطب نبعه والبلاءُ
ويراعي مكبل ولساني *** أخرسته الكلوم والأدواءُ
أي شعر أقوله ، مفرداتي *** في دجى الكرب والأسى بلهاءُ
أي شعر أصوغه ليت شعري *** أيدانيك- إن أجدت_ الرثاءُ
أو يرقى إلى مقامك مدح؟ *** والقوافي مشلولة عرجاءُ
والمعاني وإن سمت قاصرات *** يعتريها الفتور والإعياءُ
كلما حاولت إليك ارتقاء *** جاوزتها صفاتك الشماءُ
أين منها مكانة أنت فيها ؟ *** ومضاء. يحار منه المضاءُ
أين منها ومن ثراها الثريا؟ *** أين منها المريخ والجوزاءُ
سيدي أنت آية للبرايا *** بعدك النثر والقصيد هباءُ
يعجز الشعر والقريض ويعيا *** في معاني فدائك الشعراءُ
أنت فوق البيان والوصف فذٌ *** أنت.... أنت القصيدة العصماءُ

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام يصف فيها جوهر الرسول صلى الله عليه وآله، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى

جوهر الرسول صلى الله عليه وآله

وأشهد أنه عدل عدل، وحكم فصل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وسيد عباده، كلما نسخ الله الخلق (1) فرقتين جعله في خيرهما، لم يسهم فيه عاهر (2) ، ولا ضرب فيه (3) فاجر. ألا وإن الله جعل للخير أهلا، وللحق دعائم، وللطاعة عصما (4). وإن لكم عند كل طاعة عونا من الله يقول على الألسنة، ويثبت الأفئدة، فيه كفاء (5) لمكتف، وشفاء لمشتف.


صفة العلماء

واعلموا أن عباد الله المستحفظين (6) علمه، يصونون مصونه، ويفجرون عيونه، يتواصلون بالولاية (7) ، ويتلاقون بالمحبة، ويتساقون بكأس روية (8) ، ويصدرون برية (9) ، لا تشوبهم الريبة (10) ، ولا تسرع فيهم الغيبة. على ذلك عقد خلقهم وأخلاقهم (11) ، فعليه يتحابون، وبه يتواصلون، فكانوا كتفاضل البذر ينتقى (12) ، فيوخذ منه ويلقى، قد ميزه التخليص، وهذبه (13) التمحيص (14).


العظة بالتقوى

فليقبل امرؤ كرامة (15) بقبولها، وليحذر قارعة (16) قبل حلولها، ولينظر امرؤ في قصير أيامه، وقليل مقامه، في منزل حتى يستبدل به منزلا، فليصنع لمتحوله (17) ، ومعارف منتقله (18). فطوبى لذي قلب سليم، أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره، وطاعة هاد أمره، وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، وتقطع أسبابه، واستفتح التوبة، وأماط الحوبة (19) ، فقد أقيم على الطريق، وهدي نهج السبيل.


--------------------------
------------------------------------------------------
1. نسخ الخلق: نقلهم بالتناسل عن أصولهم، فجعلهم بعد الوحدة في الأصول فرقا.
2. العاهر: من يأتي غير حله كالفاجر.
3. ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.
4. العصم ـ بكسر ففتح ـ: جمع عصمة وهي ما يعتصم به، وعصم الطاعات: الإخلاص لله وحده.
5. الكفاء ـ بالكسر ـ: الكافي أو الكفاية.
6. المستحفظين ـ بصيغة اسم المفعول ـ: الذين أودعوا العلم ليحفظوه.
7. الولاية: الموالاة والمصافاة.
8. الروية ـ فعيلة بمعنى فاعلة ـ: أي يروي شرابها من ظمأ التباعد والنفرة.
9. رية ـ بكسر الراء وتشديد الياء ـ: الواحدة من الري: زوال العطش.
10. الريبة: الشك في العقائد.
11. عقد خلقهم: أي وصل خلقهم الجسماني وأخلاقهم النفسية بهذه الصفات، وأحكم صلتهما بها حتى كأنهما معقودان بها.
12. «كتفاضل البذر ينتقى»: أي كانوا إذا نسبتهم إلى سائر الناس رأيتهم يفضلونهم ويمتازون عليهم كتفاضل البذر، فان البذر يعتنى بتنقيته ليخلص النبات من الزوان، ويكون النوع صافيا لايخالطه غيره، وبعد التنقية يؤخذ منه ويلقى في الأرض، فالبذر يكون أفضل الحبوب وأخلصها.
13. التهذيب ـ هنا ـ: التنقية.
14. التمحيص: الاختبار.
15. الكرامة ـ هنا ـ: النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجرا إلا قبولها.
16. القارعة: داعية الموت أو القيامة تأتي بغتة.
17. المتحول ـ بفتح الواومشددة ـ: ما يتحول إليه.
18. معارف المنتقل: المواضع التي يعرف الانتقال إليها.
19. الحوبة ـ بفتح الحاء ـ: الإثم. وإماطتها: تنحيتها.
1. نسخ الخلق: نقلهم بالتناسل عن أصولهم، فجعلهم بعد الوحدة في الأصول فرقا.
2. العاهر: من يأتي غير حله كالفاجر.
3. ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.
4. العصم ـ بكسر ففتح ـ: جمع عصمة وهي ما يعتصم به، وعصم الطاعات: الإخلاص لله وحده.
5. الكفاء ـ بالكسر ـ: الكافي أو الكفاية.
6. المستحفظين ـ بصيغة اسم المفعول ـ: الذين أودعوا العلم ليحفظوه.
7. الولاية: الموالاة والمصافاة.
8. الروية ـ فعيلة بمعنى فاعلة ـ: أي يروي شرابها من ظمأ التباعد والنفرة.
9. رية ـ بكسر الراء وتشديد الياء ـ: الواحدة من الري: زوال العطش.
10. الريبة: الشك في العقائد.
11. عقد خلقهم: أي وصل خلقهم الجسماني وأخلاقهم النفسية بهذه الصفات، وأحكم صلتهما بها حتى كأنهما معقودان بها.
12. «كتفاضل البذر ينتقى»: أي كانوا إذا نسبتهم إلى سائر الناس رأيتهم يفضلونهم ويمتازون عليهم كتفاضل البذر، فان البذر يعتنى بتنقيته ليخلص النبات من الزوان، ويكون النوع صافيا لايخالطه غيره، وبعد التنقية يؤخذ منه ويلقى في الأرض، فالبذر يكون أفضل الحبوب وأخلصها.
13. التهذيب ـ هنا ـ: التنقية.
14. التمحيص: الاختبار.
15. الكرامة ـ هنا ـ: النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجرا إلا قبولها.
16. القارعة: داعية الموت أو القيامة تأتي بغتة.
17. المتحول ـ بفتح الواومشددة ـ: ما يتحول إليه.
18. معارف المنتقل: المواضع التي يعرف الانتقال إليها.
19. الحوبة ـ بفتح الحاء ـ: الإثم. وإماطتها: تنحيتها.

وصية الإمام علي بن أبي طالب لأبنه الحسن عليهما السلام

من الوالد الفان، المقر للزمان (2) ، المدبر العمر، المستسلم ، للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدا، إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض (3) الأسقام رهينة (4) الأيام، ورمية (5) المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور, وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم،قرين الأحزان، ونصب الآفات (6) ، وصريع (7) الشهوات، وخليفة الأموات. أما بعد، فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجموح الدهر (8) علي، وإقبال الآخرة إلي، ما يزعني (9) عن ذكر من سواي، والإهتمام بما ورائي (10) ، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي، فصدفني (11) رأيي، وصرفني عن هواي، وصرح لي محض أمري (12) ، فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب. ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا، مستظهرا به (13) إن أنا بقيت لك أو فنيت. فإني أوصيك بتقوى الله ـ أي بني ـ ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والإعتصام بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله عزوجل إن أنت أخذت به! أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء (14) ، وبصره (15) فجائع (16) الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظرفيما ف علواعما انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا! فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم. فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين (17) من فعله بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات (18) للحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه، ونعم الخلق التصبرفي الحق ! وألجىء نفسك في أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى كهف (19) حريز (20) ، ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة (21) ، وتفهم وصيتي، ولا تذهبن عنك صفحا (22) ، فإن خير القول ما نفع. واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق (23) تعلمه. أي بني، إني لما رأيتني قد بلغت سنا (24) ، ورأيتني أزداد وهنا (25) ، بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي (26) إليك بما في نفسي، أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب (27) النفور (28). و إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك، لتستقبل بجد رأيك (29) من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته (30) وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان (31) لك ما ربما أظلم علينا منه. أي بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيلته (32) ،توخيت (33) لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه (34) من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقتبل (35) الدهر، ذونية سليمة، ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله عز وج ل وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز (36) ذلك بك إلى غيره. ثم أشفقت (37) أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس (38) عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (39) ، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه. واعلم يا بني، أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله، والإقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا (40) أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا، والإمساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم، لابتورط الشبهات، وعلق الخصومات. وابدأ قبل نظرك في ذلك بالإستعانة بإلهك، والرغبة إليه في توفيقك، وترك كل شائبة (41) أولجتك (42) في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة. فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك واجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا، فانظر فيما فسرت لك، وإن لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط العشواء (43) ]، وتتورط (44) الظلماء، وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك (45) عن ذلك أمثل (46). فتفهم يا بني وصيتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد، أو ماشاء مما لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك ، فإنك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحير فيه رأيك، ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك ! فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك (47). واعلم يا بني أن أحدا لم ينبىء عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول _ صلى الله عليه وآله_ فارض به رائدا (48) ، وإلى النجاة قائدا، فإني لم آلك (49) نصيحة. وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك ـ وإن اجتهدت ـ مبلغ نظري لك. واعلم يا بني، أنه لو ك ان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره (50) ، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه، عظيم حاجته إلى ربه، في طلب طاعته، والخشية من عقوبته، والشفقة من سخطه، فإنه لم يأمرك إلا بحسن، ولم ينهك إلا عن قبيح. يا بني، إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها، وزوالها وانتقالها، وأنبأتك عن الآخرة وما اعد لأهلها فيها، وضربت لك فيهما الأمثال، لتعتبر بها، وتحذو عليها. إن ما مثل من خبر (51) الدنيا كمثل قوم سفر (52) ، نبا (53) بهم منزل جديب (54) ، فأموا (55) منزلا خصيبا وجنابا (56) مريعا (57) ، فاحتملوا وعثاء (58) الطريق، وفراق الصديق، وخشونة السفر، وجشوبة (59) المطعم، ليأتوا سعة دارهم، ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشيء من ذلك ألما، ولا يرون نفقة مغرما، ولا شيء أحب إليهم مما قربهم من منزلهم، وأدناهم من محلهم. ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب، فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شيء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه، إلى ما يهجمون عليه (60) ، ويصيرون إليه. يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن ت ظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، و استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك. واعلم، أن الإعجاب (61) ضد الصواب، وآفة الألباب (62). فاسع في كدحك (63) ، ولا تكن خازنا لغيرك (64) ، وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك. واعلم، أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، ومشقة شديدة، وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد (65) ، وقدر بلاغك (66) من الزاد، مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الفاقة (67) من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه، فاغتنمه وحمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك. واعلم، أن أمامك عقبة كؤودا (68) ، المخف (69) فيها أحسن حالا من المثقل (70) ، والمبطىء عليها أقبح حالا من المسرع، وأن مهبطك بها لامحالة إما على جنة أو على نار، فارتد (71) لنفسك قبل نزولك، ووطىء المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب (72) ، ولا إلى الدنيا منصرف (73). واعلم، أن الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفل لك بالإجابة، أمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك ب النقمة، ولم يعيرك بالإنابة (74) ، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك (75) عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب،باب الاستعتاب؛ فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك (76) ، فأفضيت (77) إليه بحاجتك، وأبثثته (78) ذات نفسك (79) ، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك (80) ، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره، من زيادة الأعمار، وصحة الأبدان، وسعة الأرزاق. ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه، واستمطرت شآبيب (81) رحمته، فلا يقنطنك (82) إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، وربما أخرت عنك الإجابة، ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل. وربما سألت الشيء فلا تؤتاه، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله، وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له. واعلم يا بني أنك إنما خلقت لآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنك في قلعة (83) ، ودار بلغة (84) ، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي، لا ينجو منه هاربه، ولا يفوتة طالبه ،ولا بد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

..................................................................................................................................
1. حاضرين: اسم بلدة في نواحي صفين.
2. المقر للزمان: المعترف له بالشدة.
3. غرض الأقام: هدف الأمراض ترمي إليه سهامها.
4. الرهينة: المرهونة، أي أنه في قبضة الأيام وحكمها.
5. الرمية: ما أصابه السهم.
6. نصب الآفات: لا تفارقه العلل، وهو من قولهم: فلان نصب عيني ـ بالضم ـ أي لا يفارقني.
7. الصريع: الطريح.
8. جموح الدهر: استقصاؤه وتغلبه.
9. يزعني: يكفني ويصدني.
10. ماورائي: كناية عن أمر الآخرة.
11. صدفه: صرفه.
12. محض الأمر: خالصه.
13. مستظهرا به: أي مستعينا به.
14. قرره بالفناء: اطلب منه الإقرار بالفناء.
15. بصره: اجعله بصيرا.
16. الفجائع: جمع فجيعة وهي المصيبة تفزع بحلولها.
17. باين: أي باعد وجانب.
18. الغمرات: الشدائد.
19. الكهف: الملجأ.
20. الحريز: الحافظ
21. الاستخارة: إجالة الرأي في الأمر قبل فعله لاختيار أفضل وجوهه.
22. صفحا: جانبا.
23. لايحق ـ بكسر الحاء وضمها ـ: أي لا يكون من الحق.
24. بلغت سنا: أي وصلت النهاية من جهة السن.
25. الوهن: الضعف.
26. أفضي: ألقي إليك.
27. الفرس الصعب: غير المذلل.
28. النفور: ضدالآنس.
29. جد رأيك: أي محققه وثابته.
30. كفاه بغية الشيء: أغناه عن طلبه.
31. استبان: ظهر.
32. النخيل: المختار المصفى.
33. توخيت: أي تحريت.
34. أجمعت عليه: عزمت.
35. مقتبل ـ بالفتح ـ من اقتبل الغلام فهو مقتبل، وهو من الشواذ، والقياس مقتبل بكسر الباء لأنه اسم فاعل، ومقتبل الإنسان: أول عمره.
36. لا أجاوز ذلك: لاأتعدى بك.
37. أشفقت: أي خشيت وخفت.
38. التبس: غمض.
39. الهلكة: الهلاك.
40. لم يدعوا: لم يتركوا.
41. الشائبة: ما يشوب الفكر من شك وحيرة.
42. أولجتك: أدخلتك.
43. العشواء: الضعيفة البصر، أي تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما لاخلاص منه.
44. تورط الأمر: دخل فيه على صعوبة في التخلص منه.
45. الإمساك عن الشيء: حبس النفس عنه.
46. أمثل: أفضل.
47. شفقتك: خوفك.
48. الرائد: من ترسله في طلب الكلا ليتعرف موقعه، والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا فهو رائد سعادتنا.
49. لم آلك نصيحة: أي لم أقصر في نصيحتك.
50. خطره: أي قدره.
51. خبر الدنيا: عرفها كما هي بامتحان أحوالها.
52. السفر ـ بفتح فسكون ـ: المسافرون.
53. نبا المنزل بأهله: لم يوافقهم المقام فيه لوخامته.
54. الجديب: المقحط لاخير فيه.
55. أموا: قصدوا.
56. الجناب: الناحية.
57. المريع ـ بفتح فكسر ـ: كثير العشب.
58. وعثاء السفر: مشقته.
59. الجشوبة ـ بضم الجيم ـ: الغلظ.
60. هجم عليه: انتهى إليه بغتة.
61. الإعجاب: استحسان ما يصدر عن النفس مطلقا.
62. آفة: علة. والألباب: العقول.
63. الكدح: أشد السعي.
64. خازنا لغيرك: تجمع المال ليأخذه الوارثون بعدك.
65. الارتياد: الطلب. وحسنه: إتيانه من وجهه.
66. البلاغ ـ بالفتح ـ: الكفاية.
67. الفاقة: الفقر.
68. كؤودا: صعبة المرتقى.
69. المخف ـ بضم فكسر ـ: الذي خفف حمله.
70. المثقل: هو من أثقل ظهره بالأوزار.
71. ارتده: ابعث رائدا من طيبات الأعمال توقفك الثقة به على جودة المنزل.
72. المستعتب: مصدر ميمي من استعتب، والاستعتاب: الاسترضاء، والمراد أن الله لا يسترضي بعد إغضابه إلا باستئناف العمل.
73. المنصرف: مصدر ميمي من انصرف، والمراد لا انصراف إلى الدنيا بعد الموت.
74. الإنابة: الرجوع إلى الله.
75. نزوعك: رجوعك.
76. المناجاة: المكالمة سرا.
77. أفضيت: ألقيت.
78. أبثثته: كاشفته.
79. ذات النفس: حالتها.
80. استكشفته كروبك: طلبت كشف غمومك.
81. شآبيب: جمع الشؤبوب بالضم، وهو الدفعة من المطر، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على الأرض الموات فيحييها.
82. القنوط: اليأس.
83. قلعة ـ بضم القاف وسكون اللام وبضمتين وبضم ففتح ـ: يقال منزل قلعة أي لايملك لنازله، أولا يدري متى ينتقل عنه.
84. البلغة: الكفاية وما يتبلغ به من العيش.

قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لرجل سأله أن يعظه

قال الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام لرجل سأله أن يعظه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، و يرجي التوبة بطول الأمل. يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ويقيم على ما يكره الموت من أجله , إن سقم ظل نادما، وإن صح أمن لاهيا، يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله، إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مدل. ومن العمل مقل، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغنم مغرما. والغرم مغنما، يخشى الموت ولا يبادر الفوت, يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره، يرشد غيره يغوي نفسه، فهو يطاع ويعصي، ويستوفي ولا يوفي، ويخشى الخلق في غير ربه، ولا يخشى ربه في خلقه.

قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ______ للشاعر الكبير/ تميم البرغوثي ...

قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ
أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ
وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ
يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ
وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ
فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ

عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ
إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُِهْ
فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ
يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ
وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ

ترىالطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ
وَوَالِدُهُ رُعْبَاًَ يُشِيرُ بَكَفِّهِ وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ
أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ
عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ
أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَة ً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ
لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ

وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ نُقُوشُ بِسَاطٍِ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ
يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ
إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ
أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَه وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ
فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ

قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ______ للشاعر الكبير/ تميم البرغوثي ...

قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ
أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ
وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ
يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ
وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ
فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ

عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ
إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُِهْ
فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ
يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ
وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ

ترىالطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ
وَوَالِدُهُ رُعْبَاًَ يُشِيرُ بَكَفِّهِ وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ
أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ
عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ
أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَة ً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ
لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ

وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ نُقُوشُ بِسَاطٍِ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ
يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ
إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ
أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَه وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ
فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ